السوريون ينفقون أغلب دخولهم الشهرية على الغذاء.. والبعض يمول هذا الإنفاق بالعجز

تقسيمات سلة الاستهلاك تُعبر عن طبيعة إنفاق الأسرة في كل بلدان العالم، وتحدد التوجه الذي يسير فيه الدخل المتاح، هذه الطبيعة التي تعبر بدورها عن مستوى رفاهية مواطني هذه الدولة أو تلك، فارتفاع حصة مجموعة الأغذية من إجمالي الإنفاق يعني -دون شك- أن هناك انخفاضاً في مستوى معيشة المواطنين، لأن دخولهم المنخفضة لا تتناسب مع ارتفاع متطلبات إنفاقهم، بفعل الارتفاع الدائم للأسعار، مما يجبرهم على إنفاق الحصة الأكبر من دخولهم على الأطعمة والأغذية، متجاهلين -غير راغبين- حصة المجموعات الأخرى في السلة الاستهلاكية، فالأسر الفقيرة تصرف 80 – 90% من دخلها على الغذاء وحده، و10 – 20% على باقي مكونات السلة الأخرى.
فالسعوديون ينفقون 26 في المائة من إجمالي دخولهم الشهرية على مجموعة الأطعمة والمشروبات، هذا ما توصل إليه المستشار الاقتصادي السعودي فادي العجاجي، والذي اعتبر أن هذا الارتفاع في حصة مجموعة الأطعمة يعد مشكلة تواجه معظم الدول، والناتج عن الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية، فهذه هي حال السعوديين.
أما عن حال السوريين، فإن تقسيمات سلة الاستهلاك المعتمدة لدى المكتب المركزي للإحصاء، تشير إلى أن حصة مجموعة الأغذية والمشروبات غير الكحولية هي بحدود 41.86%، وحصة الأغذية 40%، بينما تصل حصة مجموعة السكن، والمياه، والكهرباء، والغاز، وأنواع الوقود الأخرى إلى 22%، بينما توزع نحو 36% من إجمالي سلة الاستهلاك على الصحة، والتجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية، والملابس والأحذية، والمشروبات الكحولية والتبغ، والنقل، والاتصالات، والترويح، والثقافة، والتعليم، والمطاعم والفنادق، وسلع وخدمات متنوعة أخرى. فإذا كان توجه 26% من الإنفاق الإجمالي عند السعوديين إلى الغذاء مشكلة بنظر خبرائهم الاقتصاديين، فبماذا نسمي توجه 40% من إنفاق السوريين إلى غذائهم إذا؟!.
فارتفاع حصة الأغذية يعد مؤشراً سلبياً على مستوى المعيشة، لأنه يدلل على انخفاضه، والناتج عن الفرق الكبير بين متوسط إنفاق الأسرة السورية، والبالغ 31 ألف ليرة، ومتوسط الدخل البالغ 11 ألف ليرة، وذلك بحسب تقديرات المسوح الجديدة للمكتب المركزي، وهذا «البون» يجبر الأسر ذات الدخل المحدود على إنفاق أغلب دخولها على الحاجات الغذائية، والبعض يمول جزءاً من إنفاقه الغذائي بالعجز، عن طريق الاستدانة من الآخرين، وهذا يتطلب من الحكومة دعم المواد الغذائية، وتشديد الرقابة على الأسواق، والحد من تلاعب تجارها للحفاظ على هذه التوازنات بشكلها الصحيح، للحفاظ على مستوى معيشي مقبول لدى السوريين، بحث لا تتعدى نسبة الغذاء من كامل السلة 30%، بدلاً من كونها فوق 50% الآن، حسب معطيات أرض الواقع، بفعل الزيادة اليومية للأسعار، والتي تأكل دخول المواطن السوري.
لكننا ومع هذا، نخاف أن يطالب السوريون بترشيد استهلاكهم من المواد كالغذاء – الخاضع للترشيد أساساً – أسوة بالمطالبات الدائمة بالترشيد في كل شيء من الكهرباء إلى الماء.. إلخ، فهل يمكن أن نصل إلى يوم نجبر فيه على ترشيد استهلاكنا من الغذاء تضامناً مع جياع إفريقيا أو للحفاظ على توازنات سلة الاستهلاك كما يراد لها أن تكون؟!، هذه المطالبة التي نتركها بعهدة الزمن الكفيل الوحيد بإثباتها أو تكذيبها!!.